إدراج الثقافة القانونية كوسيلة لمكافحة الجريمة وتخفيضها: الطريقة اليابانية نموذجاً


إدراج الثقافة القانونية كوسيلة لمكافحة الجريمة وتخفيضها: الطريقة اليابانية نموذجاً

ربما تعد التجربة اليابانية من أكثر التجارب غنى على مستوى الدول في العديد من النواحي سواء اكانت على المستوىالاقتصادي والتجاري وحتى السياحي وصولا الى التجربة القانونية والتيتعد من التجارب غير المألوفة على المستويات القانونية على الرغم من تأثرها الواضح بالأسلوب الغربي في بعض الجوانب، لكن عند النظر الى التجربة اليابانية عن كثب فانه يكسبنا معرفة جديدة وغنية في المجالات القانونية المختلفة من جهة ومن ناحية اخرى حول مجال مكافحة الجريمة بوجهة نظر مختلفة وفريده من نوعها.
لقد دأب اصحاب القرار في اليابان على ادراج الثقافة القانونية كونها من أكثر الوسائل فاعليه في مجال مكافحة الجريمة، ابتداءً من المراحل الاولى للتعليم وحتى المراحل الجامعية وصولا الى المواطن العادي والذي نادرا ما يتوجه للمحاكم او يحتك بالوسط القانوني.
تتمحور الثقافة اليابانية والتي هي مبنية على الجد والعمل في احترام القانون بالإضافة الى ادخال مفاهيم متعددة في المناهج التعليمية على كافة المستويات ولكافة الاعمار مثل سيادة القانون والتعليم المتصل بالقانون (Law related education) الى جانب العديد من المبادئ والتي تزرع فيهم منذ نعومة الاظفار مثل احترام رأي الاخرين واحترام التعددية وقبول الافكار المتنوعة وحق النقاش وتبادل الافكار واحترام الذات.
كل هذا الامر ادى الى ظهور مجتمع منضبط يتمتع بمعدل الجريمة الاقل على مستوى العالم حسب الاحصائيات والتي تصدرها الدوائر الرسمية المختصة في اليابان، حيث اثبتت اليابان مرة اخرى انها على صواب في ادراج الثقافة القانونية في المدارس وبين عامه الناس وعلى أثره المباشر وغير المباشر على المجتمع سواء على المدى القصير او البعيد وان بالمثابرة وبالعمل المنهجي تصل الى النتائج المرجوة وبشكل رائع وفعال وقد تذهلك انت شخصياً اي صاحب المشروع.
ومع ان الامر يبدوا في بدايته معقدا الا انه التجربة اليابانية لديها أسلوب السهل الممتنع والمنهجية وبأقل الامكانية تصل بك الى مبتغاك وان الامر وما فيه الا تحيد عن هدفك وان تتجنب العواقب بقدر كبير من الذكاء وبأقل قدر من المخاطرة وصولاً الى غايتك السامية من خلال هذه المنظومة وهو ما سأحاولشرحه في مقالتي.

البداية:
يبدأ اليابانيون بعرض التجربة القانونية على أطفالهم في سن مبكرة، حيث تبدأ في فترات الحضانة وبشكل مدروس تعريفهم عن معنى نظام وقانون واحترام الاخرين والتعددية والمشاركة وروح التعاون وصولاً الى ادراج هذه الثقافة من قبل جامعيين متخصصين يقومون بعمل نماذج وتمارين على شكل العاب لتعريفهم حول الاخلاق والمبادئ التي يرغبون في غرسها في هذا النشأ الجديد.
ومن من ضمن هذه الطرق إعطاء دروس وتمارين لتحث الطلاب على تغيير طريقة تفكيرهم كمثال إعطاء الطلاب فكرة عن الديمقراطية من خلال لعبة وكيفية الاختيار مبني على مبدأ الكفاءة وحسن الاختيار للشخص وتقوم الأفكار بمجملها على التبسيط وتمرير الأفكار بشخصيات قريبة على الفكر الطفولي من جهة وتحمل معنى الفكرة المراد توصيلها. ([1])
فقد قام اليابانيون وباستعانة بالعديد من المناهج والتي تخدم غايتهم وفي مراحل مختلفة من البداية وحتى الوصول الى ما يعتبر ثقافة قانونية لائقة وبحدها الأدنى من وجه نظرهم، فالبداية تكون من خلال منهاج مقتبسة من النظام الأمريكي حول المساواة والعدل من خلال منهج معتمد لدى المعاهد الامريكية المتخصصة مثل مركز التعليم المدنيالكائن في الولايات المتحدة.([2])
حيث تقوم هذه المراكز على تصميم مناهج خاصة لتعطى للأطفال لتعليمهم حول معنى ديمقراطية بأسلوب سهل بالنسبة لمستوياتهم وأيضا القيم التربوية الملازمة لها مثل تقبل الاخر والاختيار حسبالكفاءةومعنى تنوع وتسامح وتفهم الافكار المختلفة وما الى ذلك من القيم الإيجابية والتي تخدم المجتمع على المدى البعيد والقريب وتعريض الأطفال لهذه القيم بسن مبكرة لتكتسب القبول عندهم بطريقه غير مربكه لهم وتناسب المستويات العقلية الخاصة بهم.


·   من أحد صفحات الكتب المعمول بها والصادرة عن مركز التعليم المدني، مؤسسة الديموقراطية – لوس أنجلوس – كاليفورنيا / الولايات المتحدة الامريكية حول معنى العدالة والمشاركة.([3])
وبذات الوقت تعتمد الطريقة اليابانية على نظرة فريدة من نوعها وهي مكافحة (الامية القانونية) كما أسمتها حيث تبدأ في معظم المراحل الدراسية الثانوية وتم ادراجها لاحقاً في معظم الحقول الجامعية من خلال الزيارات الميدانية، حيث تكون الأمور أكثر تقدماً كلما تغيرت المستويات التعليميةوسأعرج على هذا الموضوع لاحقاً وبشكل فيه نوع من التفصيل،وتقوم هذه المهمة الموكلة لمختصين على تقديم الوصول الى حل من خلال الوسائل الأخرى لحلها ويكون الهدف منها عادتاً ان الاطلاع عن كثب بالإضافة الى قراءه مراجع متعلقة بها اسهل للحفظ ذلك ان ما يشاهد الانسان ويقرأه اقرب للرسوخ في الذاكرة من الدراسة الجامدة او الصفحات العابرة المكررة.

ويتطرق اليابانيون ايضاً الى عدة مواضيع يسعون لغرسها كقيم سامية لدى الأطفال منذ النشأةبحيث تكون كمقدمة لمراحلمتقدمة تدخل فيها ببعض التفاصيل ومن اهم ما يتم تعليمه للأطفال في المدارس اليابانية هو:
1-    القدرة على الاختيار.
2-    القدرة على النقاش.
3-    القدرة على التفكير.
4-  القدرة على التعبيركونها المفاتيح الأساسية لبناء الشخصية حيث ان حرية التعبير والديمقراطية من اهم الخطوط العريضة والتي يرتكز عليها نظام التعليم المستند للقانون كونه بلا حرية فلا وصول لأهداف أسمي. ([4])
بالإضافة الى غرس قيم الحرية الفردية والتفرد بالشخصية وماذا يعني للطالب الحقوق المحتمية وتصرفك تجاه الاخرين والمجتمع وما لك وما عليك من التزامات باتجاهه بهدف تعزيز قيم التعاون وتحمل المسؤوليات وعدم خرق القوانين المعمول بها والأعراف المجتمعية وما درج ايضاً على تسمية (بقانون الشارع).
هنا يتم التركيز بالعلاقة مع الاخر وبناء الشخصية والاحترام المتبادل بين المختلف ويتم التطرق لها بهدف ترسيخهذه الأمور في داخل الشخص منذ الحضانة حيث ان البشر هم أهم استثمار للحكومة والمؤسسات الحكومية والمؤسسات التعليمية في البلاد.
استفادت اليابان من التجربة الأمريكية بعد الاطلاع عليها عن كثب حيث قامت بتعديلها من خلال جعلها ملائمه لمجتمعها وبدأت من حيث انتهت الولايات المتحدة التجربة الخاصة بها بالإضافة إلى تجنب الوقوع في نفس الأخطاء. ([5])
ويتم أيضا إعطاء دروس حول اهمية حل النزاعات بالقانون واحترام القانونوالدستور وحماية الحقوق من اهم ما يميز التعليم باليابان من خلال المشاركة في جميع المجالات المختلفة ومن اهم ما يتم التشجيع عليه أي حل النزاعات بالطرق السلمية و التسويات القضائية دون اللجوء للمحاكم او لحل النزاع بالطرق الحادة او الصدامية حيث ان الفلسفة وتحديدا في هذا المجال تقوم ان أي تسوية بالتراضي دون الإحساس بالظلم بين الأطراف او احد الأطراف من شانه ان يعزز السلم الأهلي وان يبعد فكر النزاع او الغضب او الانتقام من احد الأطراف ويمكن القول ايضاً ان هدف العدالة لديهم ان يشعر الجميع ان حقه محفوظ ومصان ولم يتم هضمه او اهداره واعتبار ان ما هو له من حق في الحفظ سواء اكان كفلة له العرف أوالقانون .


·        من اهم ما يتم تعليمة ايضاً في المدارس اليابانية للطلاب هو مبدأ ضع نفسك في مكان الشخص قبل ان تحكم عليه ويتم ذلك من خلال مشكلة مدرسية وعرض وجهة نظر الطرفين على الحياد لتقرر هل فعلاً ما حصل كان ليحصل ام لا وذلك على شكل محاكمة ليكون الحكم بالنهاية (عادلا)؟([6])
ويهدفهذا التعليم ايضاً الى التوسع في فهم مصطلح فكرة التعليم المتعلق بالقانون والتنوع في مفهوم التعليم المتصل بالقانون من خلال شرحهوإيصالهلأكبر فئة في المجتمع، حيث ان الأمر بدأ في مطلع التسعينات بعد اقتباس الفكرة من الولايات المتحدة– كما أسلفنا-والتيكانت تقوم على أساس نشر الثقافة القانونية لغير المتعاملين بالقانون وصولاً الى شرح القانون بشكل عام والاجراءات القانونية وايضاح فكرة ما معنى النظام القانوني والمبادئ الأساسية والقيم القانونية.
حيث تبين ان التعليم المتصل بالقانون يساعد الطلاب على فهم أفضل للقوانين المعمول بها والمشاكل القانونية والقواعد والقوانين في ظل مجتمع متعدد وشامل ولديه العديد من التعقيدات القانونية.
وفي العادة يتم التطرق الى بعض النقاط الأساسية في التعليم المتصل بالقانون وكان الامر يتم من خلال تقسيم الفئات المستهدفة مثل أي فئات غير قانونية وبخلاف المحامين او المشتغلين به وصولا للكافة بلا تمييز بما فيهم الأطفال، حيث يتم شرح منظومةالقانون والنظام القانونيوالإجراءات، القيم القانونية، والقانون بمفهومه الأوسعوالمهارة والمعلومة والتي تستخدم على الواقع العملي ، ويهدف هذا التعليم إلى تعزيز المهارات والقيم المشتركة أو ذات صلة بالقانون والتي يحتاجها المتلقي أو الطالب في المجتمع وتكون القيم محدده من قبل المؤسسة التعليمية وهدفها ان تكون مبنية على مبادئ الديمقراطية والتعددية.
حيث ان بناء هذه المناهج يصب بالنهاية إلى تطوير مفهوم المواطن للقانون والوصول إلى أكبر عدد من الناس بحيث يكونوا جميعا جزء من هذه المنظومة والمجتمع الفاعل بالإضافة الى تشجيعهم على ان يكونوا أعضاء مؤثرين في هذا مجتمع.

التعليم الموجه للجمهور:
يهدف هذا التعليم الوصول لأشخاص ليس لديهم احتكاك بالقانون بالعادة أو ليسوا خبراء قانونيين لفهم القيم الكامنة وراء ذلك ولتغيير فكرهم نحو فهم أوسع وأعمق للقانون بحيث يكون الهدف من ذلك:
1.     فهم المبادئ الأساسية المرتبطة بالقانون.
2.     تنمية القدرات اللازمة للمشاركة في إدارة مجتمع عادل وحر.
3.     فهم ان القانون مألوف ويدخل في جميع مناح الحياة اليومية.
4.     العمل وفقا لوعي قانوني في الحياة اليومية وتعزيز استخدام الثقافة القانونية في الحياة اليومية.
ومن أهم محتويات التعليم المتعلق بالقانون بشكله الأولي:
1.     صنع القواعد: ضرورة صنع القواعد لتتبع.
2.     القانون الخاص وحماية المستهلك: فهم العلاقة بين الأفراد أنفسهم وبين الأفراد والقانون.
3.     أهمية الدستور: فهم العلاقة بين الأفراد والدولة والتزامها تجاههم.
4.     العدالة: حل النزاعات بموجب القانون.
وفي ارتباط اخر في الموضوع فأن التعليم المرتبط بالقانون يهدف لتطوير تفكير ووعي المواطن العادي في الأمور القانونية مثل تعليمة مفهوم المواطنة بشكل توضح مثل تشجيع افراد المجتمع على تحقيق واقع مجتمعيأفضل، وايضاً التطرق الى المشاكل التي تحدث في المجتمع ومناقشة التعاون مع أشخاص متمرسين ومختصين نحو حل المشاكل التي تواجههمجعلهم مهتمين بالقضايا القانونية التي تواجه المجتمع وافراده، بحيث يتم اللجوء ايضاً الى المناقشة والتعاون مع أطرافعدة للتفاهم والوصول الى حل ذا طابع قانوي.

القاضي الجالس:

تم إطلاق هذا النظام في اليابان في أيار / مايو 2009 وكان الهدف منهاعطاءالمواطن العادي دور مباشر في العملية القضائية الجنائية تحديداً من خلال الشراكة في محكمة فعلية خاصة والتي تكون فيها العقوبات مرتفعة كالحبس أكثر من 3 سنوات، وتم إقرار هذا النظام من خلال انشاء مجلس خاص يسمى مجلس إصلاح النظام القضائي والذي ربطة بشكل مباشر بأهمية التعليم المرتبط بالقانون.

          حيث تم الاطلاع على النظام الياباني الجديد في المحاكم وهو النظام الانف الذكر والمسمى القاضي الجالس  (Lay-Judge)أوكما يحلوا لليابانيين تسميته (Saiban-in ) وهو نظام مأخوذ من اسلوب هيئة المحلفين الامريكي لكن عُدل ليوائم المجتمع الياباني حيث سيكون في كل جلسة 6 اشخاص من عامة الشعب يختارون عشوائياً وذلك للاطلاع على مجريات المحاكمة والمشاركة في صياغة الحكم بهدف اشراك اكبر عدد ممكن من الناس وإعطائهم الثقافة القانونية الأزمة وعملت الحكومة اليابانية بانتظام على دمج اكبر قدر ممكن من الناس لنشر الثقافة القانونية بين عامة الشعب كنوع من خطة طويلة الامد تهدف لمحاربة الجريمة ومنع مخالفة القانون من خلال ادراج اهتمام اكبر شريحة من الناس الى الاجراءات القانونية والاوساط القضائية بطريقة مباشرة وغير مباشرة.
وعلى الرغم من الكثر من الجدل المثار حول هذه القضية وخاصة من قبل نقابة المحاميين اليابانية حول صلاحية هذه المنظومة والخوف على مصلحة موكليهم في القضايا الخطيرة فأن الحكومة اليابانية أصرت على طرح هذه المنظومة وهي مطبقة في كامل المحاكم اليابانية الجزائية وتنشر الحكومة تقارير دورية وشبة دورية عن فعالية هذه المنظومة في تخفيض الجريمة ومدى فعاليتها ومجموع القرارات الصادرة عن المحاكم بالبراءة والادانة واسقاط الدعاوي بالإضافة الى موقع خاص للحكومة لأخذ العيوب والمساوئ والعقبات و التي تعترض المشاركين وكيفية تجاوز هذه المشاكل مستقبلا من خلال التعديلات القانونية والإدارية الازمة.

الرحلات الميدانية والدولية:

تقوم وزراه العدل اليابانية على زيارات دورية من خلال برنامج تقييم خاص تقوم من خلاله باختيار طلاب مدارس بشكل شبة منتظم لتأمين زيارات لهم الى عدة دول أبرزها الولايات المتحدة الامريكية والهدف من هذه الزيارة الاطلاع على النظام القضائي الامريكي والمحاكم العليا لأجراء مقارنات بين النظامين المعمول فيها بين البلدين ولإعطاء نظره اشمل واوسع على عمل الأنظمة القضائية والقانونية المختلفة بهدف زيادة التوعية والاتيان بأفكار جديد ممكن ان يخدم بها النظام القانوني الحالي بشكل عام والمجتمع بشكل خاص.
حيث تقوم الوزارة بالتنسيق مع نظيرتها في بقية الدول بغية القيام برحلات تعليمية مدروسة تتناسب مع سن المتدرب او الزائر وأبرز النقاط القانونية التي يوجب الاطلاع عليها دون الدخول في تفاصيل الأنظمة والتي قد تشتت من اهداف الرحلة التعليمية، وان هذه الرحلات تكون في سياق الاطلاع على طرق حل النزاع والأنظمة المتبعة في حلها والمنظومة القضائية على مختلف درجاتها.
وهي تكون بالعادة على شكل طلاب يتم اختيارهم من مختلف المستويات والمدارس تبعاً لمنظومة خاصة بالجهات المسؤولة ويتم تنسيق هذه الرحلات لتكون مقسمة لنظرية ومشاهدة واقعية للمحاكم والجهات القضائية ومراكز التأهيل والدعم والارشاد.
         


·        مجموعة من الطلاب اليابانيين في زيارة الى محكمة طوكيو المركزية.
بالإضافة الى ما ذكر فأن هنالك وحدة خاصة تابعة وزارة العدل اليابانية متخصصة في ترويج هذه الثقافة تحت عنوان (مجلس ترويج التعليم المتعلق بالقانون) حيث تسعى هذه الوحدة الى استهداف كافة فئات الشعب على عده مستويات بالتنسيق مع وزارات عدة منها التعليم وبعض الجمعيات المتعلقة بنشر التوعية واصلاح الاحداث وحتى بالتعاون مع نقابة المحامين.
حيث تقوم وزراه العدل بتنظيم زيارات الى عدة مراكز او محاكم بهدف التعرف على النظام القضائي المعمول به واخذ فكرة أوضح عن عمل وسير المؤسسات القانونية بشكل عام دون الدخول في تفاصيل تشتت عن الهدف الرئيسي لهذه الزيارات وهي الاطلاع على منظومة القانونية وكيفية السير في إجراءاته المحددة وسير نظام العدالة لدينهم في البلاد وما الى ذلك من الخطوط العريضة تهم هذه الشريحة من الطلاب.

دور النيابة العامة في الثقافة القانونية:
قامت النيابة العامة بتوقيع مذكرة تفاهم مع وزارة التربية والتعليم بتاريخ 11/1/2018 حول ذات الموضوع وهي عبارة تفاهمات الغاية منها خلق بيئة امنة لحماية الطفل من الحرمان من التعليم او تعرضه للإساءة الجسدية والنفسية والجنسية وغيرها مما يمس الطفل من مظاهر الاستغلال ومن ضمن ذلك فيما يتعلق بالشق القانوني أيضا من أهمية معرفة وتعريف الطفل حول حقه في المشاركة والتعبير وتعريفهم من هو المسؤول جزائيا عن سبب تعرضهم للخطر والحرمان من التعليم.
وهي خطوة مهمة جداً في حماية الطفل من التسرب من المدرسة واهمية التحاقه بالتعليم الأساسي وضرورة معاملة الأطفال ضمن القوانين المرعية والاتفاقيات الدولية الحامية للطفل.
فقد احتوتهذه المذكرة على العديد من المفاهيم المشابهة والمهمة في هذا المجال حول الوساطة وهي تماثل حل النزاعات بالطريقة الودية دون الوصول الى المحاكم حيث ورد فيها:
فيما يتعلق بالتطبيق الفاعل للوساطة المدرسية هو امتداد سابق أو لاحق للوساطة الجزائية والتي تعرف بأنها تتم بين (الحدث) والمجني عليه المتضرر وهي اللقاء الذي يصف به المجني عليه ما وقع من اعتداء عليه ، وفي ذات السياق يصف الحدث ويشرح ما قام به من أفعال والسبب وراء ذلك ويجيب على أية أسئلة بوجود وسيط بين الطرفين من أهل الخبرة والاختصاص وبالتالي إتمام التوافق التصالحي بينهما من خلال الموافقة والرضا للطرفين وفق الأصول المقرة قانونا ويعمل الطرفان على تنفيذ وتكريس العمل المشترك على الوساطة المدرسية ووضع آليات مستدامة لها وإعداد الاستراتيجيات المناسبة لعملها والتدريب عليها وعقد لقاءات دورية حولها وتطويرها، وان يتم عقد تدريبات حول مهارات قانونية وكيفية التصرف بقضايا الأطفال المعرضين للخطر وخطر الانحراف بعد تنفيذ الوساطة المدرسية بما ينسجم مع المعايير الدولية واتفاقية حقوق الطفل من منطلق البيئة المدرسية المستقرة الخالية من المشاحنات والنزاعات تحقق الصحة النفسية للتلاميذ بشكل جيد وتهمل على تنمية وتعميق مفاهيم تتعلق بحقوق الطفل والتي يجب على الطرفين ان يعملا عليها وهي:
1.     ان حل النزاعات بين التلاميذ بشكل جيد يؤكد حق الطفل في العدل والمساواة والكرامة.
2.     عندما يقوم المعلم بالاستماع الجيد واتاحة الفرصة للأطراف المتنازعة بإبداء آرائهم ينمي لدى التلاميذ الحق في التعبير بدون خوف.
3.     عندما يقوم المعلم بمساعدة التلاميذ بحل نزاعاتهم فإن هذا يشعرهم بالثقة والأمن في البيئة المدرسية.
4.     إن المعلم المدرك الواعي لحل النزاعات يؤكد حق التلميذ في شعوره بالمساواة وبعدم التمييز على الأساس العرقي او العائلي او الديني.
5.     إن حل النزاعات بصورة ايجابية ينمي لدى التلاميذ اتجاهات إيجابية نحو قيم ديمقراطية مثل: تقبل الآخر-الحوار – حسن الاستماع – المشاركة.
ويجدر الإضافة الى ان النيابة العامة الفلسطينية تقوم الان على انشاء نيابة مدرسية متخصصة بإعطاء الطلاب نبذة عن عمل النيابة العامة وطبيعتها واهم القوانين والتي يجب ان يكون الطلاب على مختلف مستوياتها على اطلاع عليها، بالإضافة الى انتداب وتخصيص أعضاء نيابة عامة لإعطاء هذه المحاضرات بشكل دوري الى طلاب المدارس وتوجيههم حول حل النزاعات بالطرق القانونية وحثهم على الالتزام بالقانون بمعنى وجود بنية تحتية جاهزة لاستقبال هذه المنظومة والتي يلزم العمل معها بشكل ممنهج وواضح وباستمرارية تضمن مواصلة هذه الالية بطريقة تلقى القبول على كافة المستويات كونها تهدف الى مصلحة الطلاب والمجتمع و المؤسسة التعليمية على حد سواء.

v    ما اهـمـية مـا سـبـق؟
ان جل الافكار والبرامج والاساسيات المعطاة في هذه المحاضرة ليست بمستحيلة التطبيق بل على العكس يمكن تطبيقها ذلك انها افكار ايجابية بحاجة لفكر ونسق لتنفيذها بإمكانيات قد تكون متاحة بين الايدي الفلسطيني ومتناسبة حتى مع حالة المناطق الفلسطينية بشكل عام الا وهي (تعزيز سيادة القانون من خلال التعليم المتصل بالقانون والمساهمة في المجتمعات السلمية والشاملة)([7]).
ان اهمية تعزيز سيادة القانون ونشر الثقافة القانونية لها الاثر المباشر على المجتمع خاصة وإننا نتحدث عن ثقافة منهجية يمكن نشرها باستخدام منصة وزارة التعليم بالتنسيق مع كافة المؤسسات ذات العلاقة مثل القضاء والنيابة العامة ووزارة العدل للوصول الى مجتمع منخفض فيه نسبة الجريمة.
ان ادراج الثقافة القانونية يعزز فكرة الانتماء واللجوء للقانون لحل النزاع هو امر ليس بمستحيل التطبيق خاصة من خلال اشخاص قادرين على ايصال الرسالة لأكبر عدد ممكن من افراد المجتمع الا وهم الطلاب سواء اكان في المراحل الاساسية في التعليم ووصولاً الى المراحل النهاية وخاصة ان المجتمع الفلسطيني جله مجتمع فتي خاصة ان نسبة الاعمار التي تقع بين (0-14 سنه) تشكل ما يزيد نسبته عن 38.9% من المجتمع الفلسطيني([8]).
مما يعني ان امراً كهذا سوف يلقى صدا وقبول لدى المجتمع الفلسطيني الطموح لأنشاء دولة قائمة على تعزيز ثقافة سيادة القانون وتعزيز دور المؤسسات الرسمية في استقرار المجتمع.
ان لأمر كهذا يتطلب اعداد كوادر قادرة على نقل وتبسيط هذه الثقافة لتشمل الطلاب وغير العاملين في السلك القانوني بهدف ايصال الرسالة بشكل اوضح دون الخوص في خصوصيات وتعقيدات القانون التي قد تشتت المتلقي عن الهدف.
ومن وجهة نظري المتواضعة لا اظن ان امرا كهذا مستحيل التطبيق بل هو امر واجب وممكن التطبيق ضمن بعض الامكانيات التي يمكن توافرها مستقبلاً خاصة على الحالة الفلسطينية والتي ارى ان فرص نجاح تجربة كهذه ممكن في سبيل الوصول الى مجتمع منخفض الجريمة خاصة في ظل احتلال ومعوقات خارجية تحول دون قيام بعض المؤسسات من مهامها الموكلة اليها خاصة في نسبة جرائهم مرتفعة نوعا ما على مستوى الوطن.([9])
ان العمل الدؤوب وما تعلمته هناك من السير على منهجية واضحة وهدف جلي وبشكل منطقي ومنهجي ليس بمستحيل التطبيق في مجتمعا ضمن ظروف معقدة تمكن من إنجاحه فلماذا لا نتمكن نحن من ذلك؟
أنى ارى ان من أسمي الغايات تطبيق ما اخذت في سبيل افادة المجتمع وتغيير الفكر للأفضل في سبيل الوصول الى مجتمع متكافل ويحترم القانون سيادة القانون والقافة القانونية بشكل عام.
ان ما ذكر هو امر يقع في صلب عملي كممثل للحق العام في النيابة العامة الفلسطينية وسيكون جل طموحي ان ارى مجتمع أفضل سواء اكان لي ولأولاديولأهليولأفراد الشعب الفلسطيني الطامح على اقامة دولته الفلسطينية على كافة التراب الفلسطيني.
لقد قطعت النيابة العامة والعديد من الأطراف المعنية العديد من الأشواط مما يمهد لوجود بنية تحتية او بادئه مهمة لإطلاق هذا المشروع والذي سينعكس على المديين القصير والبعيد وعلى الأجيال القادمة بشكل إيجابي وجعلة مجتمع يعتمد على رجاحة العقل والاحتكام لصوت المنطق والقانون وسيادة القانون.




[1]. مجموعة محاضرات -الدكتورة كيوكوايزوياما– جامعه شيزوكا، مدينة شيزوكا– اليابان– كانون ثاني -يناير /2018.
Name in English:Lecture by Kyoko ISOYAMA Professor - Faculty of Education, Shizuoka University – Japan -Jan. /2018
[2]. مركز التعليم المدني، مؤسسة الديموقراطية – لوس أنجلوس – كاليفورنيا / الولايات المتحدة الامريكية.
Center for Civic Education - foundations of Democracy , Los Angeles university - California - USA
[3].  مركز التعليم المدني، الولايات المتحدة الامريكية (مرجع سابق).
[4]. مجموعة محاضرات -الدكتورة كيوكوايزوياما (مرجع سابق).
[5]. اعتمد اليابانيون على الكثر من التجارب الامريكية فيما يتعلق الامر بالأنظمة القانونية والأساليب المعمول بها لكن بعد إضافة تعديلات خاصة بهم بما يتناسب مع مجتمعهم.
[6]. Resolution of a disputePublic participation in the judicial process and rule making.
منهاج تعليمي ياباني ملحق (حل النزاعات: مشاركة العامة في الإجراءات القضائية).
[7]. تم نشر ورقة بحثية شاركت فيها تحت نفس العنوان (تعزيزسيادةالقانونمنخلالالتعليمالمتصلبالقانونوالمساهمةفيالمجتمعاتالسلميةوالشاملة) وقد نشرت في أحد اعداد مجلة UNAFEIالعام 2018، وهي صادرة باللغة الانجليزية.
[8]. الاحصائية منشورة والمعدة عام 2017 على موقع الجهاز المركزي للإحصاء في دولة فلسطين.
[9]. عدد الافعال الاجرامية المبلغ عنها لكل 1000 من السكان بدون الجرائم المشتبه فيها 9.97، حسب الاحصائيات المعطاة من جهاز المركزي للحصاء للعام 2014 وهي نسبة الى حد ما مرتفعة قياسا مع عدد السكان.

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النينجا القاتل : قصة منتهى الدموية ... ذو حبكة درامية ضعيفة

عيد العمال العالمي.. عمّال على بطّال

مواطن ملتزم بالقانون : عندما يؤخذ الحق عنوه !